كنيسه رئيس الملائكه ميخائيل بالاقصر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
كنيسه رئيس الملائكه ميخائيل بالاقصر

كنيسه رئيس الملائكه ميخائيل بالاقصر وهو موقع مؤقت

المواضيع الأخيرة

» فينك ياصاحبى
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالأربعاء مايو 01, 2013 12:11 am من طرف رأفت ابن المسيح

» ( الانبا أمونيوس )
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالجمعة أبريل 12, 2013 12:10 am من طرف رأفت ابن المسيح

» موسوعة قصائد البابا الصوتية
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالسبت يوليو 09, 2011 6:15 pm من طرف ريمون عفى

» مجموعة كليبات خاصة باسبوع الآلام
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 05, 2011 2:14 pm من طرف نانا

» + القمص /أنطونيوس القمص/عاذر القمص/متى وكيــــــــــل المطرانية
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 05, 2011 2:07 pm من طرف نانا

» يارب لماذا
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 05, 2011 1:47 pm من طرف نانا

» السفينة تيتانيك
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 05, 2011 1:28 pm من طرف نانا

» هام وعاجل جدا لجميع المواقع والمنتديات المسيحية
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 05, 2011 1:15 pm من طرف نانا

» آيات من الكتاب المقدس للتغلب على الإكتئاب
جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 05, 2011 1:08 pm من طرف نانا

التبادل الاعلاني


    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الخميس أكتوبر 22, 2009 11:09 pm

    † رواية جنفياف †
    " المثل الأعلى للأمانة والعفاف "
    للشاعر الفرنسى : أ . دى لامارتين



    الفصل الأول
    نشأة جنفياف وأخلاقها و زواجها


    فى العصر الذى أشرقت فيه أنوار معرفة الإنجيل فى كل من فرنسا وألمانيا حيث تبددت ظلمات العبادات الوثنية ، وتحسنت أخلاق الأهالى ، وأثمرت الأراضى العقيمة ، واكتسبت منظرا بهيجا بسبب جهود وعناية المسيحيين . وتحولت الأحراش الى حقول مزهرة وبساتين مثمرة . كان يعيش فى البلاد الواطئة ( هولندا وبلجيكا ) رجل حكيم عاقل اسمه الدوق دى برايان ، وكان ممدوحا محبوبا من الجميع لما اتصف به من الشجاعة فى القتال ، وما فطر عليه من التقوى والمحبة لله والقريب . وكانت الى جانبه امرأته الدوقة لا تقل عنه فضلا ونبلا .
    وقد تعطف المولى عليهما بأن رزقهما ابنة وحيدة تسمى جنفياف خصاها بالمحبة والاعزاز والتربية الحسنة . فنشأت متوقدة الذكاء ، سديدة الرأى ، قويمة التصرف ، تتوج هامتها الوداعة ويكسوها نور الطهارة ومعرفة الله ، حتى امتازت بهذة الصفات على كثير من أترابها . وكانت الدوقة جريا على عوائد ذلك العصر تجلس بجانب دولابها والى جانبها ابنتها ولها من العمر خمس سنوات تدير المغزل بحذق وتصنع الخيوط الجميلة وكانت فى أثناء ذلك تسأل أمها أسئلة روحية فى مواضيع متنوعة فتجيبها عنها بالصواب . وكان لفظها متزنا وصوتها عذبا وأقوالها حكيمة حتى تملكت قلوب سامعيها وكانت ترافق والديها وهى فى العاشرة من عمرها الى الكنيسة وعلامات التقوى تلوح على وجهها الجميل وقد تدلت ضفائرها الطويلة الذهبية ، فكانت تجثو عند أسفل الهيكل رافعة عينيها الجميلتين الزرقاوتين بخشوع الى العلاء كأنها ملاك سماوى . وانها فى الحق رسول العطف على المساكين حيث كانت تقصد أكواخ الفقراء وتكسو الأولاد بثياب من عمل يديها وتنفح الفقراء ما كانت تأخده من والدها من المال لتصرفه على نفسها . وكانت تحمل فى يدها سلة وتذهب سرا الى المرضى فتقدم لهم الطعام الفاخر والأثمار الشهية . وعندما بلغت سن الصبا أصبحت مثالا كاملا فى الصفات الحميدة والجمال . وكان جميع الوالدات الحكيمات يقدمن هذة الفتاة كقدوة صالحة لأولادهن.

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الخميس أكتوبر 22, 2009 11:19 pm

    وكان الكونت سيجفرو حاكما على احدى المقاطعات فى الجنوب وكان قد أنقذ الدوق والدها فى احدى وقائع الحرب بينما كانا مشتركين معا لصد هجمات المغاربة الغائرين ، فحفظ له الدوق هذا الصنيع وانتهز فرصة عودته من الحرب ليرد له الجميل . فأخذه معه الى منزله وأحبه محبة عظيمة كأبنه . ولما كان الكونت - فوق شجاعته - حسن الخلق والخلقة فقد زوجه بجنفياف ابنته حسب رغبته . وفى صباح اليوم الذى كانت جنفياف مزمعة أن تسافر فيه هى وزوجها بكى كل من كان فى المنزل وحزن أهالى تلك النواحى ، وكذلك جنفياف فانها مع مزيد محبتها لزوجها لم تقدر أن توقف جرى دموعها .
    فعانقها أبوها قائلا قد أزمعت أن تتركينا أيتها العزيزة وستدرك والديك الشيخوخة ، ولا نعلم هل نراك فيما بعد أو لا رعاك الله فى كل مكان ، ولتكن مخافته ومشيئته فى قلبك كما تعلمت منا ، ولا تبتعدى أبدا عن مرضاته فيرتاح فكرنا نحوك ونموت مسرورين .
    وعانقتها أمها وهى تبكى بتنهد قائلة : استودعك الله يا جنفياف وأسأله تعالى أن يقيك المخاطر ويحفظك من مكائد الشيطان . اننى أجهل حظك ولا أعلم نصيبك ، غير أن قلبى ممتلىء من الاحساسات المجهولة المخيفة لقد كنت ابنة صالحة كل أيام حياتك ، وكنت حظنا الأكبر على الأرض فاثبتى فى حسن السلوك ولا تصنعى أبدا ما يخجلك أمام الله وأمام والديك وزوجك. واذا سرت فى حياتك على هذا المنوال تنالين رضى الله وتقضين حياتك فى سلام . واذا كنا لا نرى بعضنا مرة أخرى فى هذة الدنيا فأملنا أننا سنجتمع يوما أمام عرش العزة الإلهية .
    ثم التفتا نحو الكونت صهرهما وقالا له : استودعناك جنفياف وهى عندنا عزيزة للغاية فتعهدها بالمحبة والوداد وكن لها من الآن فصاعدا أبا وأما وزوجا . فوعدهما الكونت سيجفرو بتنفيذ ما أوصياه به وجثا هو وجنفياف على ركبتيهما ليلتقيا بركتهما الأبوية . وفيما هم على هذة الحال واذا بالأب أيدولف الأسقف الذى كان قد عقد قرانهما داخل ، وكان حبرا محترما وشيخا مهابا ، أبيض الشعر ، أحمر الوجة ، فوضع يديه عليهما وباركهما ثم قال لجنفياف : لا تبكى أيتها السيدة العزيزة فان الله قد وهبك الحظ الصالح . وسيأتى يوم يقدم جميع الحاضرين هنا شكرا لله على ذلك بدموع الفرح . تذكرى كلامى هذا حين تصادفين أمورا غير اعتيادية فى حياتك . انى استودعك الله طالبا منه تعالى أن يرافقك بعنايته الإلهية .
    فلما سمع الحاضرون كلام هذا الأسقف التقى الحكيم اضطربت قلوبهم وتوقعوا وقوع تجارب لجنفياف فى المستقبل ، غير أنهم عادوا الى الاتكال على العناية الإلهية .
    ثم سافرت جنفياف وزوجها ورافقهما موكب عظيم من الأعيان والأمراء .
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الخميس أكتوبر 22, 2009 11:21 pm

    الفصل الثانى
    غيبة سيجفرو للحرب وما تم خلالها


    وكان للكونت سيجفرو قصر مشيد على صخرة عالية جدا بين الرين والموزل فى بقعة خصبة . وعند اقتراب الكونت وزوجته من القصر اجتمع كل أتباعه وخدمه رجال ونساء وفتيان وجوارى متسربلين بأفخر الملابس لاستقبالهما . وقد زينوا باب المنزل الكبير بالأكاليل الخضراء ونثروا الزهور على طول الطريق وتطلعت أعين الجماعة نحو جنفياف لأنهم كانوا متشوقين لرؤية مولاتهم . فلما شاهدوها عن قرب اندهشوا من منظرها البديع حيث كانت تلوح على صورتها سمات الخير والحب .فترجلت وحيث الجميع بكل لطف وبشاشة وبألفاظ الحنو والرقة . وكانت تخاطب الشيوخ بكل احترام والأمهات الحاملات أولادهن أو الآخذات بأيديهم بكل بشاشة سائلة عن أسمائهم ، وكانت توزع عليهم الهدايا الجزيلة حتى أبهج صنيعها الجميع وخصوصا لما بشرت العساكر والخدم بزيادة مرتباتهم فى تلك السنة . والفقراء بتوزيع محصول الحنطة عليهم بدون ثمن . فصرخ الجميع معا بصوت التهليل ، وهطلت دموع الفرح من أجفانهم وهنأوا الكونت وقدموا له آيات الحمد والشكر . ورفعوا الطلبات الحارة الى الله لأجل سعادة الزوجين . هذا وقد وقف العساكر حاملين أسلحتهم بكل هدوء ووقار اكراما لرئيسهم ، ودموع الفرح تجرى على وجناتهم .
    وعاش سيجفرو وجنفياف يحفهما التوفيق والسعادة ولكن هذة الحال لم تدم مع الأسف الا أسابيع قليلة ، فبينما كان العروسان جالسين فى شرفة القصر ذات مساء وقد أضيئت الثريات أخذت جنفياف تغزل وتغنى ، وسيجفرو يغنى معها على نغمة العود ، واذا بصوت نفير حربى يدوى أمام القصر انذارا بالحرب .
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الخميس أكتوبر 22, 2009 11:27 pm

    فصرخ الكونت الى حاجبه ما هذا ؟ فذهب الى الباب ثم عاد يقول : بالباب أميران يطلبانك . ولما سألهما عن الخبر قالا ان المغاربة قد أقبلوا من اسبانيا الى فرنسا قاصدين فتح البلاد ، وقد دل حملهم النصال والحراب على أنهم يريدون الشر . فأمر الملك بتجهيز حملة لردهم على أعقابهم .
    نزل الكونت فى الحال وأتى بالأميرين الى قاعة الاستقبال الجميلة الكبيرة وصرف تلك الليلة فى التأهب . وجمع عسكره من جميع أنحاء البلاد واستحضر كل ما يلزم لبيته فى غيابه واشتغلت زوجته الليل كله فى تهيئة واعداد الأمتعة والحوائج اللازمة لسفر زوجها . وعند طلوع الفجر اجتمع كامل الأمراء بسلاحهم فى الايوان الكبير والكونت فى وسطهم شاكى السلاح وعلى جبهته هلال من ريش فاخر ووقف العساكر رجالة وخيالة مصطفين أمام باب القصر الكبير فى نظام حربى منتظرين قدوم الكونت .
    دخلت جنفياف فى تلك الساعة الايوان وقدمت لزوجها السيف والرمح حسب عادة ذلك العصر قائلة له : حارب بهذة الاسلحة لمجد الله ومجد الوطن والدفاع عن الطهارة المظلومة ومحاربة الدعارة والرزيلة . وما انتهت من كلامها حتى ارتمت بين ذراعيه صفراء مرتعشة وقد أفعم فؤادها اضطرابا فلم تستطيع أن تعبر عما فى نفسها . ثم تنهدت وقالت له وقد غطت وجهها بمنديلها الذى كان بيدها : أواه يا سيجفرو يا زوجى العزيز هل لى أن أراك فيما بعد !
    أجابها الكونت : اطمئنى يا جنفياف . لا يقدر عدو على مادام الله لا يسمح بموتى . اننا فى حماية القدير وعنايته أينما كنا ، والموت قريب منا فى القصر كقربه منا فى مواقع الحرب ، ولا يحمينا الا الله وحده وهو ناصر العساكر والحامية الذى لا يغلب ، فلا تحزنى يا زوجتى العزيزة ولا تشغلى فكرك على بعدى فسأعود منتصرا بقوة الله قريبا ، وقد أوصيت وكيلى الأمين كولو أن يعتنى بك وبالقصر وأن لا تقتصر وكالته بعد سفرى على القصر بل وعلى أملاكى أيضا فكونى اذا مطمئنة وقد أسلمتك ليد العناية الإلهية فاذكرينى وصلى من أجلى ، وانى أستودعك نعمة الله القادرة أن تحفظك سالمة حتى أعود إليك بخير .
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الخميس أكتوبر 22, 2009 11:33 pm

    ثم خرج ورافقته الى أسفل السلم ومعه الأمراء ولما وصلوا الى الباب الكبير ضرب النفير ولمعت السيوف فى أشعة الشمس المشرقة وحانت ساعة الوداع الرهيبة وأراد أن يخفى دموعه المنهمرة فوثب بسرعة على جواده ومشى أمامهم الى الميدان يتبعه الأمراء والعسكر ، ووقفت جنفياف تشيع الموكب من أعلى القصر الى أن توارى عن بصرها . ثم دخلت مخدعها مكتئبة ولبثت النهار كله لاتذوق طعاما ثم استسلمت للوحدة . فكانت تجلس عند طلوع الفجر بقرب الشرفة مهتمة بشغلها ودموعها تسيل كقطرات الندى على الأزهار فتبلل قطع التطريز التى بيدها. وعندما يقرع الناقوس لاستماع القداس كانت تبادر بالذهاب الى كنيسة القصر وتصلى بحرارة متضرعة الى الله أن يحفظ زوجها ويعيده اليها سالما ولم تكن تغادر كرسيها من الكنيسة مطلقا مدة الخدمة الإلهية. وكثيرا ما كانت تعود بعد الظهر الى الكنيسة حيث تقضى ساعات فى الصلاة وحولها بنات القرية فتعلمهن القراءة والكتابة والغزل والخياطة ، وكانت تقص عليهم قصصا أخلاقية مفيدة . وكانت جنفياف منذ حداثتها محبة للفقراء والضعفاء كما قدمنا وكانت كلما وقع بصرها على أحد من المساكين تساعده بما تستطيع فتتصدق عليه أو توجد له عملا يعيش منه . هذا عدا ذهابها يوميا لزيارة المرضى فى أكواخهم اذ كانوا يجدون فى عذوبة كلامها ورأفتها وحنوها عليهم راحة وتخفيفا لأوجعهم . وكانت تقضى ليلتها فى الغزل بين خدمها ، ومتى دخل ضوء القمر نافذة مقصورتها أخذت العود لترنم عليه بعض التراتيل الروحية . وكانت تتوخى فى جميع أعمالها النظام الحسن والعادات المحمودة ، كما كانت تعامل أتباعها بالرفق واللين .
    أما الوكيل كولو فكان فطنا خبيرا بأساليب الرياء يملك القلوب بكلامه الملق فاسدا معدوم الشرف يستبيح كل شىء اذا ما كانت له فيه متعة فانية . فلما سافر الكونت تسلط كولو وتسيد وبالغ فى عبادة المظهر الكاذب بأن اتخذ من الثياب ماهو أفخر مما كان يلبسه سيده . وابتدأ يقيم الولائم الفاخرة ويدعو اليها الراقصات ويحتسون جميعا الخمر. وكان يعامل خدام الكونت القدماء الأمناء بالتعنت والسفاهة . وكثيرا ما كان يستقطع من أجر العمال الاصاغر ، ولا يتصدق على الفقراء مطلقا ولو بقطعة من الخبز ولم يكن يحترم أحدا سوى جنفياف وحدها وكان اكرامه لها عظيما جدا . وكانت بدورها تعامله دائما بالوقار والاعتبار وتذكره بواجباته فكان فى بادىء الأمر يظهر لها الطاعة والخضوع ، ومع أنه قد بذل كل عنايته فى اخفاء قبائحه غير أنه لم يابث أن أخذ يتجاسر عليها رويدا رويدا حتى بلغت منه الوقاحة أن فاتحها بالمنكر وكاشفها بمأربه الدنىء السافل ، فامتنعت بأباء ورفضت كلامه بكل استكبار ووبخته بشدة على سلوكه الردىء وأظهرت غيظها من سفالته وسقوطه ، فما كان منه الا أن أضمر لها الحقد والبغض . وعزم على اهلاكها لما رآها تستميت فى المحافظة على عفافها وكرامتها . ولما شعرت جنفياف بالشر كتبت للكونت زوجها شارحة له دناءة كولو وألحت عليه أن يبعد عنها هذا الدنىء الشرير الفاسد .

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الخميس أكتوبر 22, 2009 11:47 pm

    وكان دراكور رئيس مطبخ الكونت رجلا تقيا أمينا لسيده ، وكان يقاوم بقدر استطاعته مقاصد كولو الشريرة المنحطة ، وفى صباح أحد الأيام استدعت جنفياف دراكور الى مقصورتها وأعطته رسالتها ليبعث بها سرا الى زوجها مع رجل أمين ، ولما شعر كولو بهذا ، دخل عليها وهى تناول دراكور الرسالة واستل سيفه وضرب دراكور فسقط يتخبط فى دمائه وطفق يصرخ صراخا عاليا حتى حضر جميع سكان القصر . ونظروا واذا الأميرة ساقطة على الكرسى صفراء خرساء من الخوف وتحت أقدامها دراكور مجندلا يسبح فى دمه . فاغتنم كولو الشرير هذة الفرصة ليسبق الأميرة الى الإفتراء عليها بتهمة شنعاء ، هى أنه رآها ودراكور يتعانقان ، وأنه أنتقم لشرف سيده ، ثم سحب جنفياف من شعرها وهى مغمى عليها حتى أوصلها الى السجن وأوصد بابه عليها .
    وكان كولو يعلم أخلاق سيده فانه بالرغم من أنه كان رجلا صالحا عادلا كريما إلا أنه متى غضب لا يستطيع كبح جماح غضبه لذلك كانت نفس هذا الشرير تحدثه بأن الغيظ سيأخذ مفعوله من مولاه بمجرد معرفته بهذا الخبر فلا يبطىء عليه فى ارسال الأوامر بالحكم على الأميرة حكما صارما وربما أمر بموتها ، فكتب إلى مولاه رسالته الكاذبة متهما جنفياف ظلما وعدوانا ثم وضع الحراس حول باب السجن حتى لا تستطيع أن تبرىء نفسها .
    وكان الشعب يطلق على السجن فى ذلك الوقت برج الأشقياء لأنه كان مريبا جدا ، اذ لم تمر به جنفياف مرة الا وخامرها الخوف والانزعاج . ففى هذا السجن العميق المظلم الرطب الذى يشبه القبر قد أودعت جنفياف التعيسة متروكة من العالم غير ملفت اليها أحد . وكانت جدران السجن مغطاة بالقرميد الأحمر لا يدخل شعاع الشمس ونور القمر ذلك المكان المخيف الا ليظهروا قذارة ذلك السجن . وقد أكرهت هذة الأميرة المسكينة على أن تنام على هذا القرميد وأن تشرب الماء فى اناء من الفخار ، وأن تأكل الخبز الأسود اليابس الذى كانت تأكل منه الماشية ، فكانت تمضى وقتها فى الحزن والعويل حتى أنه من كثرة بكائها تورم خداها وعيناها ونحل جسمها وضعفت صحتها للغاية .
    ولما هدأ اضطراب جنفياف ضمت يديها الى صدرها ورفعت عينيها نحو السماء وابتهلت قائلة : أيها الآب السماوى الحنون الرؤوف ، اننى مطروحة هنا فى أعماق الأرض ولكنى أرفع عينى اليك حيث لا ملجأ لى سواك ، ولا عين شفوقة تنظر كآبتى ، وصوتى لا يصل الى أذن بشر ، فانظر الى دموعى واسمع تنهداتى يا الهى لأنك موجود فى كل مكان ، وأنا أعلم أنك حاضر الآن معى ، أن أبى وأمى يجهلان خطب وكذا زوجى فانه بعيد عنى . ولا يقدر أعز أحبائى أن يبسط لى يد المعونة . أما يدك الرفيعة فانها تمتد الى كل مكان . وأنت وحدك قادر أن تفتح أبواب حبسى المظلم . يا أبى السماوى ترأف على وارحمنى لأنك تعرف براءتى وظلمى .
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 12:01 am

    ثم اضطجعت ثانية وقد تملكتها الاحزان حتى لم تستطع البكاء وقالت أن أفقر الناس الآن أسعد منى لأنه يتمتع كل يوم بمشاهدة زرقة السماء وخضرة المروج الجميلة . ليتنى كنت من الراعيات أو من المتسولات ولست أميرة فلا أشكو ولا أتضجر . لقد زالت وسلبت منى تلك الاعتبارات والألقاب العالية وأصبحت لا أملك شيئا ، فان الشمس تشرق على جميع الناس إلا أنا . ثم أخذت دموعها تسيل وهى تقول : أنت موجود يا إلهى فكن شمس نفسى الحزينة فاننى كلما وجهت أفكارى اليك أشعر بنور ساطع ينتشر على وقلبى المغمور بالأحزان ينشرح وتفيض أجفانى بالعبرات فأرتاح وأتعزى .
    وفى تلك الساعة تذكرت النصيحة التى قالها ذلك الأسقف العزيز عند وداعها . وكانت تقول وهى تجيل عينها فى حسبها : أهذا هو السعد الذى أنبأتنى به أيها الشيخ الوقور ؟ أهذا ما كنت أنتظره عند مرورى تحت أقواس النصر المزينة بأكاليل الزهور ؟ إننى أدخل هذا السجن المظلم . ومع ذلك اذا كنت يا الهى قد أوصلتنى الى هذا الحبس الذى جعلته لى نصيبا ، فأنا أعلم أن هذة المحن الشديدة التى انتابتنى هى أدلة محبتك . نعم ان ثمار السعادة والبركات تستتر أحيانا تحت رداء المشاق والمتاعب ولذا فانى أقبل مصيبتى بشكر وصبر لكونها من لدنك . ولا أريد أن أفكر الا فيك ولا أشكو الظلم الا اليك . هذة ارادتك يارب وأنا خاضعة لها . لتكن مشيئتك . تصرف فى حسب ارادتك المقدسة ، ولكن لا تمنع عنى نعمتك ورحمتك . لا يقدر على أحد ان كنت أنت معى ، سلمت اليك امرى يا إلهى ومعينى .
    وبعد هذة الصلاة شعرت جنفياف ببعض التعزية وكأن صوت داخليا يناجيها : تشجعى يا جنفياف فانك مزمعة أن تتحملى متاعب أكثر وآلام أشد ، ولكن الرب معك يقويك ويعينك. اليوم تظهرين أمام الأعين كمذنبة ولكن سيأتى يوم تتلألأ فيه طهارتك أبهى من الشمس .

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 12:02 am

    مضت على جنفياف أشهر عديدة وهى تنوح فى حبسها المظلم . وفى كل هذة المدة لم تر أحدا سوى كولو الذى كان دائما على مسامعها أقواله البذيئة ويطلب منها النزول عند رغبته الفاسدة القبيحة ، واعدا اطلاقها أما هى فكانت تقول له : فضيحتى الموهومة من الناس أحب الى من الفضيحة الحقيقية . بقائى طاهرة فى عمق هذا البرج مثقلة بالأوجاع لأفضل عندى من الجلوس على أعلى المراتب وأنا أثيمة وكان عذابها يزداد مع الأيام وكانت بعد سفر الكونت بقليل قد استبشرت بأنها ستكون أما ، ودنا الوقت ووضعت غلاما فقالت له وهى تضمه إلى صدرها : قد أقبلت يا ولدى العزيز ودخلت إلى الدنيا فى هذا الحبس المظلم المخيف . واسفاه ان أمك المسكينة لا تملك لفافة لك وليس من يقدم لها ولو قليلا من الطعام . كيف تقدر أمك العفيفة أن تعولك ، ثم رفعت أنظارها وطفلها على يديها نحو السماء وقالت وهى تسكب الدموع الثخينة : يا الهى أنت الذى أعطيتنى هذا الولد ولست بقادرة على ارساله الى كنيستك المقدسة ليعتمد باسمك فأنت حاضر معنا فى هذا الحبس المظلم فاقبله منى . ليس هنا من يد مسعفة تكون له اشبينا ، ولا كاهن يقدر أن يذكر الأشابين بواجباتهم . فأنا لولدى العزيز أم وأشبينة معا . وأنا أتعهد أمامك أيها الإله اذا حفظت حياتى وحياة ولدى أن أربيه على الإيمان الطاهر بالثالوث الأقدس حتى عندما يشب يعرفك ويعبدك ويكون لك خادما . وسأحافظ عليه ككنز غالى ثمين قد استودعتنى اياه حتى أجعله لك يوما ما خاليا من كل دنس ورزيلة .
    قالت هذا ورفعت اناء الماء وسكبت منه على ولدها وعمدته ودعته دواور أى ( ألما ) قائلة : لقد أتى إلى هذا العالم بين الأحزان والدموع ، ثم لفت الطفل بمحزمها ووضعته على ركبتيها قائلة هذا هو سريرك . ثم نظرت بحزن وألم الى قطعة الخبز السوداء اليابسة الموضوعة بجانبها وقالت : هذا هو قوتنا يا ولدى المسكين ، ولكن كن مطمئنا فان دموع أمك تبللها وتلينها ، وبركة الله تجعل منها كفاية لنا .
    وكان الولد يوما ما نائما على ركبتيها فانحنت عليه وتنهدت قائلة : يا الهى تعطف وانظر اليه .وأسفاه انه زهرة نضرة ولكنها ستفقد رونقها ولونها ثم تذبل وتفنى تحت هذة الأقبية المظلمة الباردة الخالية من النور ومن حرارة الشمس . كيف تقدر هذة الغرسة اللطيفة أن تنمو هنا . لا تتركها يارب تموت فانى أحبها كثيرا . أنا مستعدة يا إلهى أن أقدم حياتى لأجلها . أنت تحبنى وكذلك تحب جميع عبيدك المطيعين لجلالك الخاضعين لإرادتك أكثر مما تحب الأم ولدها ألست أنت القائل أن نسيت الأم رضيعها فأنا لا أنساكم . اظهر لى ذاتك وقونى ياربى .
    وبينما كانت جنفياف تتفوه بهذا الكلام انتبه الولد مبتسما فى وجه أمه فابتسمت هى أيضا . وكانت هذة هى المرة الأولى التى ابتسمت فيها منذ وجودها فى الحبس . ثم ضمته إلى صدرها وقالت كيف تبتسم يا ولدى العزيز ولا تتأثر من شناعة هذا المكان ! فان ابتسامتك أفصح من ألف كلمة يظهر أنك تريد أن تقول لى : لا تبكى يا أماه بل افرحى .
    أنت بالحقيقة فقيرة جدا لكن الله غنى عظيم . أنت متروكة ولكن الله قادر على كل شىء وهو أفضل مساعد لك . أنت تحبينى كثيرا ولكن الله يحبنا أكثر ، ثم ناجت ولدها قائلة ابتسم يا ولدى العزيز فما دمت أنت تضحك لا تقدر أمك أن تبكى

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 12:15 am

    وبعد أيام رجع كولو وتقدم اليها عابسا وقال لها لم يبق لى صبر. أشفقى على ولدك وأجيبى طلبى . واذا كنت تقاومين مرادى ولا تخضعين لما طلبته منك فاستعدى للموت أنت وولدك . فأجابته جنفياف فى هدوء وعدم مبالاة ، ناظرة اليه نظرة ملؤها الحزن والاحتقار : كيف أفعل هذا الشر وأخطىء الى الله ، ان الموت أحب الى ألف مرة من أن أرضى بارتكاب ما أخجل منه أمام الله وأمام والدى الموقرين وأمام زوجى الذى أحبه وأخلص له وأمام كل نفس تقية . فنظر اليها كولو نظرة سريعة وخرج وقد تملكه الغضب فأغلق باب السجن دافعا اياه بشدة حتى خيل أن أساسات الحبس المظلم كادت تتزعزع ، وقال لها وأنا أيضا سأعرف كيف أخضعك لارادتى أيتها العنيدة .
    وعند نصف الليل سمعت جنفياف طرقا خفيفا على نافذة حبسها الصغيرة وصوتا عذبا يقول لها : سيدتى أأنت مستيقظة حتى الآن ؟ ماذا أقول . جازى الله كولو الممقوت على وقاحته وسفالته وعدم اخلاصه لك ولسيده . فقامت جنفياف وتقدمت نحو شباك الحديد وقالت :من أنت ؟ فأجاب الصوت أنا ابنة حارس السجن . هل تذكرين برتا التى قاست الأمراض زمانا مديدا فصنعت معها يا سيدتى جميلا فى مرضها حيث كنت تسينها الدواء بيدك وتركعين بجوار سريرها طالبة لها الشفاء . انى أقدر جميلك وأحبك يا سيدتى وأريد أن أبين لك صدق امتنانى . ولكن يؤسفنى جدا أن آتيك بخبر مريع محزن . فانك ستموتين فى هذة الليلة بناء على أمر الكونت زوجك لأنه قد صدق أنك مجرمة بناء على كذب كولو الوحش الضارى الذى وردت اليه اليوم رسالة من الكونت بالموافقة على ضرب عنقك بالسيف ، وقد تحققت ذلك وسمعت كولو يأمر الجلادين أن يقتلوا ابنك معك أيضا لأن الكونت لا يريد أن يعرف ابنا له . انى يا مولاتى حالما سمعت هذا الخبر المريع فارقنى النوم وقلقت جدا ، ولما علمت أن الجميع غارقون فى النوم قمت من فراشى مع ما بى من مرض وأسرعت الى هنا لأودعك أيتها السيدة الطاهرة وأشكرك على أفضالك وأطلب منك أوامرك الأخيرة واذا كان لديك ما تستودعينى من أمرك فلا ترتابى فى اخلاصى لك فان أسرارك تكون مدفونة معك . وربما استطعت أن أشهد فى المستقبل بطهارتك التى يثق بها الكل

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 12:36 am

    ارتاعت جنفياف جدا ولبثت وقتا لا تنطق بكلمة واحدة لشدة خوفها ورعبها . ثم قالت : أيتها العزيزة أنى أشكرك من أعماق قلبى . ولا شك أن صلاح قلبك قد حركك الى ما فيه خيرى . لذلك أرجوك أن تحضرى لى سراجا وحبرا وورقة وقلما . ففعلت الفتاة ما أمرت به ولما لم يكن عند جنفياف فى ذلك الحبس المظلم لا كرسى ولا مائدة فانها انطرحت على الأرض وكتبت الرسالة الآتية :
    زوجى العزيز
    اننى أكتب لك هذة الرسالة الأخيرة وأنا منطرحة على الأرض فى سجنى البارد وقد لا تصلك الا ويكون جسمى قد بلى . وأنا الآن على حافة الأبدية وبعد برهة قصيرة أظهر أمام العدل الالهى . لقد خدعك كولو وحكمت على بالموت كمجرمة ولكنى أستشهد الله بأنى أموت بريئة أمامه وأمامك جزاء تمسكى بعفافى . ثق بكلامى يا زوجى العزيز .
    انى آسفة أشد الأسف لانخداعك بكلام كولو . ولولا ذلك لما أمرت بقتل زوجتك المخلصة وولدك البرىء ومتى عرفت خطأك ستحزن فانك قد أحببتنى دائما وأنا أعلم ذلك . ولست أنسب اليك موتى ، غير أن ذلك لا يمنعك من أن تطلب الصفح على تسرعك فلا تعد تحكم على أحد قبل أن تحقق أمره جيدا .
    فليجر هذا الحكم العاجل الأخير الذى ستلوم نفسك عليه انما كفر عن هذا العمل الردىء المدسوس عليك بالكثير من الأعمال الصالحة ، هذا هو العلاج الشافى لهذة العلة المستعصية . ان الأحزان والهموم لا تفيد شيئا فتذكر بأنك سوف ترى جنفياف وتعرف براءتها وأمانتها واخلاصها وطهارتها . أما ابنك الذى أبت عيناك أن تنظراه على الأرض فستراه يرتل مع صفوف الملائكة الأطهار . وحينئذ لا يقدر الأشرار على تفريقنا البتة .
    ان الدقائق الباقية من حياتى معدودات ولم يبق لى الا لحظة قصيرة . وها قد أكملت واجبى الأخير باعلان براءتى لك . انى أشكرك على الحب الذى أظهرت لى فيما سلف من أيامنا السعيدة واستصحب محبتك معى الى القبر وأوصيك بوالدى الصالحين فكن كولد صالح لهما وعزهما فى حزنهما . يؤسفنى أننى غير مستطيعة الكتابة اليهما حيث قد اقتربت ساعتى المحتومة . قل لهما ان جنفياف لم تكن مجرمة وأنها ماتت بريئة مخلصة لألهها وزوجها وانى أشكر فضلهما من صميم قلبى : أما كولو الشرير فلا تقتله فى غضبك بل اصفح عنه كما صفحت عنه أنا أيضا . واننى اذ ألتمس منك ذلك لا أريد أن أصحب معى حقدا الى الأبدية . ولا أن تسفك نقطة دم بسببى .
    لا تعامل بالقوة الذين يقطعون رأسى بل بالعكس اصنع معهم ومع ذريتهم خيرا لأنهم مضطرون أن يطيعوا الأوامر الصادرة اليهم . وأنا متحققة أنهم سيضربون عنقى آسفين لقتلى . أما دراكور الصالح البرىء المقتول ظلما فقد كان من خدمك الأمناء : فأعتن بأرملته وكن أبا لأولاده اليتامى المساكين فانك تفى بذلك دينا واجبا عليك لأن شدة تعلقه بك كان سبب موته وهلاكه . ولا تنس أيضا أن تعلن براءته ، كما أرجو أن تجزل العطاء لهذة الفتاة الصالحة التى تحمل اليك هذة الرسالة والتى بقيت وحدها أمينة لى عندما تركنى جميع الناس وارتعدوا خوفا من كولو .
    كن نحو رعيتك عادلا وأقم لهم حكاما عادلين وكهنة فضلاء وأطباء ماهرين واسمع بنفسك ما يعرض عليك من الشكاوى والحاجات واصنع الخير للمساكين . كنت أحب أن أكون أما لرعيتك فاصنع أنت ما كنت أريد أن أقدمه لهم من الخير وهذا التزام عليك أرجو أن تقوم به : أودعك الآن الوداع الأخير . لا تحزن يا زوجى العزيز فاننى أموت مطمئنة ان حياتنا هنا قصيرة مليئة بالأوجاع والأحزان . ومهما كنت خاطئة فأنى أموت بريئة من كل ما اتهمنى به كولو . والله عادل رحوم يتراءف على . وهو الذى سيظهر لك انى لم ألاقى هذة النهاية المؤلمة الا برفض طلب كولو الشرير وتمسكى بطهارتى وبأمانتى لالهى وزوجى .
    أستودعك الله مرة ثانية فصل لأجلى اننى أتركك بقلب ممتلىء من الحنو فياض بالمحبة التى تصحبنى الى قبرى .
    زوجتك المحبة الأمينة الطاهرة
    جنفياف
    كتبت جنفياف رسالتها هذة ودمعها يهطل كالسيل والحزن مستولى عليها ثم دفعت بها الى برتا وقالت لها : احتفظى بهذة الرسالة ولا تريها لأحد . ومتى رجع زوجى من الحرب سلميه اياها يدا بيد . ثم نزعت جنفياف عقدها اللؤلؤ الخاص وأعطته الى الفتاة قائلة لها : اقبليه يا ابنتى العزيزة مكافأة لك على هذة الخدمة . وان هذا العقد كان من جملة هدايا عرسى ومنذ استلمته من زوجى لم أنزعه من صدرى قط فاحفظيه أنت لعرسك لأنه ثمين ويساوى ألوفا من الدنانير . ولأنك قد صرت به الآن غنية فأشير عليك بأن لا تجعلى أبدا اتكالك على الخيرات الأرضية . تذكرى دائما أن هذا العقد كان يزن رقبة مولاتك المزمع قطعها الآن بحد السيف نظير أمانتها وتمسكها بطهارتها وعفافها .
    تعلمى بأنه لا يليق بنا أن نتكل على ذراع بشر اذ لم يكن ليخطر ببالى قط أن الذى أهدانى هذا العقد هو الذى يأمر الآن بقطع رأسى .
    فاذن لا تلقين اتكالك الا على الله وحده .
    انصرفى فى الحال قبل أن يفاجئك كولو أو أحد أتباعه أما أنا فسأوجه قلبى الى الله استعدادا لدخول الأبدية .
    استودعك الله يا عزيزتى برتا

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 12:48 am

    الفصل الثالث
    نجاة جنفياف وولدها من القتل
    وخروجهما من السجن الى الغابة


    لم تكن برتا تبعد عن السجن بضع خطوات حتى فتح بابه الحديدى ودخل رجلان ، يحمل أحدهما مشعلا مضيئا والثانى سيفا حادا. وكانت جنفياف حينئذ تصلى وأبنها على ذراعيها . وعندما أضاء المشغل رآها الجلادان راكعة على ركبتيها غارقة فى صلاتها فصاح بها حامل السيف : هيا أيتها السيدة قومى واتبعينا حالا مع ولدك . فصرخت جنفياف : يا الهى أرحمنى فها أنا بين يديك . ثم قامت ومشت بخطوات مرتجفة . وبعدما قطعوا دهليزا طويلا تحت الأرض وحامل المشعل يمشى أمامها ، والسياف يتبعها . وصلوا الى باب كبير من حديد فأطفأ الرجل المشعل وفتح الباب واذا هم فى الفضاء بجانب حرش كبير . وكان يتبعهم كلب كبير استدرجوه حتى وصل معهم الى نهاية الغابة . ولم ينطق أحد من هذين الرجلين بكلمة واحدة . ثم قاداها الى مكان بعيد جدا عن الحرش حتى وصلا بها الى موضع خلاء وهناك أمرها أحدهما قائلا أركعى هنا فخضعت دون أن تنطق بكلمة واحدة ثم قال لها : أعطنى ولدك وأشار لزميله أن يعصب عينيها ويأخذ منها الولد . فضمت جنفياف الولد الى صدرها ورفعت عينيها الى السماء وصرخت بحرارة قائلة : يارب قبلت أن أموت ولكنى أطلب اليك أن تخلص ولدى .
    فأجابها ذلك القاسى : أخضعى وأعطنى الولد . فقالت وهى تبكى أيها الشجعان أما فى قلبكما رحمة وشفقة . كيف تذبحان هذا البرىء المسكين الصغير . أى ذنب جناه لتذبحانه ! وما هى الإساءة التى فعلها ! أذبحانى أنا أموت طوعاً . ها عنقى أقدمه لكنى التمس من فضلكما أن تتركا ولدى هذا حياً وتأخذاه إلى والدى . وإذا كان ذلك محظوراً عليكما فإنى أتوسل إليكما أن تتركانى حية ليس لأنى أحب الحياة ولكن لأجل خاطر هذا الولد المسكين . وأنا أعدكما بأننى لا أغادر هذة الغابة أبداً كل حياتى . ولا أعود إلى الظهور بين الناس . أنا مولاتكما أجثو أمام قدميكما مقبلة ومتوسلة . فإذا كنت صنعت نحوكما شراً فاقتلانى . وإذا كنت أرتكبت ذنباً فاذبحانى ، لكنكما تعلمان جيداً بأننى بريئة . أواه أنكما ستندمان يوماً لأنكما لم ترحما الدموع التى أسكبها الآن . فكونا رحومين نحوى يرحمكما الله .لا تطمعا فى جزاء دنيوى فترتكبان إثماً لأن عقوبة الظلم أبدية . خافا الله أكثر من الناس . أتريدان أن يقال أنكما تحترمان كولو وتطيعانه أكثر من الله . لا تسفكا دماً زكياً لأن الدم الزكى يصعد إلى السماء طالباً الانتقام ، ولا راحة أبداً للقاتل.
    فأجاب الجلاد حامل السيف لا أستطيع إلا اتمام الأوامر المعطاه لى . ولا يعينينى إن كان ذلك عدلاً أم ظلماً فذلك عائد على كولو وعلى الكونت ، والمسئولية واقعة عليهما وحدهما .
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:02 am

    فكررت جنفياف توسلاتها قائلة : أنظرا السماء . أنظرا القمر مستتراً بالأشجار كأنه لا يقدر أن يحتمل نظر الإثم الفظيع الذى أمرتما بارتكابه . يلوح أنه ناقم عليكما لكونكما تسفكان دماً بريئاً لأم وطفلها لم يرتكبا أى ذنب . أنصتا ! أنصتا ! قد هب الريح . أما تسمعان نوح الأشجار واضطراب الأوراق التى ترتعب ، وجميع الموجودات التى تضطرب من صنعكما الفظيع ومن الآن فصاعداً تريعكما كل ورقة تتحرك . أتريان تلك النجوم التى لا تعد فإنها عيون تشهد عليكما ففكرا أن هناك إلهاً منتقماً تمثلان يوماً أمام منبره الرهيب ويحاسبكما على عدم الرحمة . اللهم يا أبا الأيتام وحامى الأرامل تنازل يارب ولين قلب هذين الرجلين اللذين لا شك فى أن لهما نساء وأولاد . تنازل يارب وأملأ قلبيهما رحمة وحنواً فتتركان هذة الأم الكئيبة وهذا الطفل المسكين النائح . امنعهما يا إلهى القدير من أن يقدما على هذا الجرم الفظيع .
    وكان حامل المشعل واقفاً يذرف الدمع متأثراً من هول هذا المنظر الرهيب . فقال لرفيقه : لقد تصدع قلبى حزنا على هذة السيدة المظلومة فلتتركها حية . وإذا كنت تحب سفك الدماء فهيا واضرب بسيفك عنق كولو فإنه هو المجرم الذى يستحق أقسى أنواع العقاب . أما هذة السيدة فكلنا نعلم أنها بريئة ولم تصنع إلا خيراً . تذكر يا صديقى مرضك الأخير وما غمرتك به وقتئذ من الإحسان حيث كانت تزورك وتعطف عليك . أذكر ما قدمته من الخير للجميع وارحمها شفقة على ولدها المسكين . فأجاب الآخر قائلا : يجب أن تموت وأنا ملزم بأن أنفذ الأمر .
    فإذا تركناها لا يتركوننا وهى لا تنجو أبداً لأن كولو يجدها ، ولا يخفاك أنه قد أمر أن نأتى له بعينيها على طبق لكى يتحقق أنها ذبحت . فماذا تكون النتيجة إذا تركناها حية ؟
    أجاب الآخر : إن هذا لا يمنعنا من تركها . أنا أعرف كيف نتدبر الأمر حتى لا نكون خائفين فلنطلب منها أن تقسم لنا لا تترك هذة الغابة مطلقاً ثم نأتى كولو بعينى هذا الكلب . أنا واثق بأن ضميره الردىء سوف لا يسمح له بتدقيق النظر فيهما فيرتاب فى الحيلة . أيصعب عليك قتل كلبك ولا تضحيه . تمثل يا حبيبى أميرتنا الموقرة وطفلها البرىء . أليست هذة الأم التعسة وهذا الولد البرىء أعز عندك من هذا الحيوان ؟ لا تكن وحشا يا صاحبى موريس وتمسك بالعطف والحنان .
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:04 am

    قال موريس فليكن ما تريد ولنبتعد عن الشى. حينئذ أملى على جنفياف قسماً بأن لا تبرح تلك البرية طول حياتها وطلب منها أن تكرره كلمة فكلمة ، وألزم أيضاً رفيقه هنتر بأن يحلف له على سيفه بأن لا يبوح لأحد بما حصل . ولزيادة الاطمئنان قاد هو ورفيقه جنفياف إلى مكان بعيد فى الجبال والأودية حتى أوصلاها إلى غابة موحشة جداً لم يدخلها إنسان وهناك سقطت على جزع شجرة مغشياً عليها من التعب ويتركاها وانطلقا ولما رجعا إلى القصر وجدا كولو جالساً فى مخدعه ممسكاً رأسه بيديه وهو فى حالة اليأس والاكتئاب . قال موريس وهو واقف بالباب : اتيناك يا سيدى بعينى الأميرة جنفياف ورفع الغطاء عن طبق صغير وأراه عينى الكلب . فصرخ كولو وقد استشاط غيظاً وألقى يده على قبضة سيفه وقال بصوت رهيب : لا أريد أن أراهما ، واذا تجاسر أحد وذكر أمامى أسم هذة السيدة مرة أخرى لأخضبن سيفى بدمه . أنصرفا واخرجا عاجلا ولا تظهران أمام عينى فيما بعد . ثم قال فى نفسه يا عجبا أننى البارحة كنت استعذب جدا التفكير فى الانتقاممن جنفياف ولكنى الآن أرى ذلك فظيعا . وأسفاه لقد اقتنعت الآن ان الذى يخضع لشهواته ويستعبد لأمياله الشريرة يفقد سلام الضمير ويبقى تعيسا الى الأبد ، آه ما أشقانى .
    أما جنفياف فأنها لبثت مغشيا عليها زمانا ثم استيقظت ورأت نفسها وحيدة مع ولدها فى تلك الغابة المقفرة . وكان القمر مستترا وراء السحاب والسماء غطاها الغيم والظلام متكاثف وريح مخيفة تحرك الأشجار وبومة تنعق فوق رأسها ، وسمعت صوت ذئب يعوى فخامرها الاضطراب والارتعاد والخوف وصرخت قائلة : يا إلهى ان قلبى قد اضطرب هلعا من هذة الظلمة الموحشة لكن لأنك قريبا منى فلا يحجبنى هذا الظلام عن رؤيتك . أنك لا تترك الذين يطلبونك وكما نجيت ولدى ونجيتنى من الموت فأنك لا تدعنا فريسة الحيوانات الضارية فلك شكرى يا الهى وعليك أضع أتكالى ولا أخاف . ولبثت تحت الشجرة تضم ولدها الى صدرها وعيناها شاخصتان الى السماء تنتظر طلوع الفجر . ولكن الشمس لم تبزغ فى ذلك اليوم اذ كان الفصل شتاء ، وكانت حيثما التفتت لا ترى الا الصخور وأشجار الراتينج الأسود وكان البرد شديدا فاعقبته الأمطار ثم الثلوج وكانت ترتعد من البرد وولدها يبكى ويصرخ من الجوع والبرد فقامت ترتاد النواحى القريبة لعلها تجد شجرة مجوفة أو صخرا مشقوقا تلتجىء اليه بولدها ، أو ثمرة فى احدى الاشجار تقتات بها فلم تجد . وعند ذلك أخذت تحفر الجليد بيديها الناعمتين حتى سالت منها الدماء فوجدت جزوعا تحمل أثمارا فأقتلعتها بأسنانها وأكلت منها وأعطت ولدها فأكل .

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:12 am

    ومع أنها كانت تشعر بضعف شديد فقد سارت حاملة ولدها على ذراعيها ولا تعرف الى أين تذهب . ثم لمحت من أعلى أكمة وهدة صغيرة بين الصخور . وقد كست الخضرة تلك الوهدة فنزلت اليها بمزيد العناء وهناك رأت شجرة جميزة وفى جزعها فجوة وسمعت عن قرب خرير ماء يجرى ينبوعه من صخرة تغطت بفروع الشجر فدخلت جنفياف بولدها الغار والتجأت فيه من الهواء والمطر الا أن البرد كان قد أثر فيهما والجوع قد أضر بهما . فأخذ ولدها يبكى ويصرخ فوضعته أمامها على ارض وابتهلت الى الله قائلة وهى تبكى : اللهم أنت رؤوف ومعين . أمل بأنظارك الى أم تذرف الدموع الثخينة وتعطف على ولدها المسكين وكما تقيت يا الله الغربان الجائعة فى الخريف وليس لها ما تأكله ، وكما تعطى الدودة الصغيرة التى على هذا الصخر فى الشتاء ما تقتات به ، فأنت قادر يارب أن تحفظنى أنا وولدى فى هذة البرية المقفرة .
    أنت الذى أعطيتنا الأن ملجأ ووعدتنا أن تعتنى بنا أنت قادر أيضا أن تعطينا قوتا اذ انك يا إلهى لا تسمح أن نهلك جوعا .
    تبدد الغيم فى الحال وبعثت الشمس الى الغار فأمتلأ حرارة وسمعت صوتا خفيفا بين أوراق الشجر يتقدم منها واذا بغزالة دخلت الغار دون خوف لانه كان مأواها المألوف ثم وقفت ساكنة أمام جنفياف فارتعدت جنفياف أولا ولكنها أخذت تتشجع شيئا فشيئا وتلاطف الغزالة . فأنست بها الغزالة كأنها قد شعرت بتلك العلامات الحبيبة وحينئذ فكرت جنفياف فى أن تقتات هى وولدها من لبن الغزالة وصرخت قائلة : يا الله ان الضرورة تجبر أما تعيسة فترضع ولدها من الغزالة وكان بثديى الغزالة جرح فأمسكت بهما جنفياف وأخذت تدلكهما بيديها الناعمتين واذا بلبنها يفيض مدرا فأخذت جنفياف ترضع ولدها وتشرب هى أيضا حتى شبع الطفل ونام.
    وبعدما غذت ولدها خرجت لكى تجمع القرع المتفرق فقطعت كل قرعة الى قسمين متساويين وجوفتهما وذهبت الى الغدير حيث غسلتهما وعادت وكانت الغزالة نائمة فقدمت لها حزمة من الحشيش الأخضر الرطب الذى جمعته من جانب الغدير فنهضت الغزالة وأكلت. اظهارا لامتنانها لحست يد جنفياف فأخذت تحلبها الى أن ملأت كثيرا من تلك الآنية القرعية . ورفعت أحدها وهو مملوء لبنا نحو السماء وابتدأت تصلى قائلة : اللهم أقبل دموع الشكر على هذة العطية الثمينة. نعم ان هذا اللبن هو هبة جودك يا من أخرج من الصخور الصلبة ماء يروى ظمأى . يا من أهديت خطواتى الى هذا الغار مأوى هذا الحيوان الأنيس ، وبتدبيرك الألهى ومحبتك الأبوية أصبحت أنا وولدى لا نخاف جوعا ، عليك يا الهى القى أتكالى لأنك لم تفارقنى فى محنتى وغربتى ، بل دبرت لى كل ما أحتاجه .
    وشربت من اللبن قائلة : ياله من شراب لذيذ . انه لم يلذ لى قوت بهذا المقدار فى كل حياتى . اللهم قلما كنت أعرف وأقدر قيمة عطاياك حينما كنت أجلس على مائدة والدى أو زوجى الفاخرة . فأصفح عن عدم شكرى لك كما ينبغى . سامحنى على عدم عطفى على الفقراء والمساكين كما كان يجب على . كم كنت أجهل وقتئذ مرارة وألم الجوع وضرورة مساعدة الأغنياء للمحتاجين والمتألمين .

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:22 am

    وبعدما تغذت من ذلك الحليب وشكرت الله من صميم قلبها خرجت لتجمع أعشابا طرية فملأت منها محزمها مرارا وبسطتها على أرض الغار وصنعت لها ولأبنها فراشا ثم شدت غصون شجر الراتينج القوية الغليظة المائلة نحو باب الغار وبذلك منعت دخول المطر والهواء ، وشعرت حينئذ جنفياف أن قلبها قد ارتاح جدا فشكرت الله لانقاذه أياها من ذلك السجن المظلم ولأهتمامه بها وبولدها فى هذة البرية القاحلة : وبعد ذلك غلب عليها النوم وكان ولدها نائما فى حضنها وكانت الغزالة الأمينة التى لا تفارقها البتة ترقد أيضا عند رجليها.
    لبثت جنفياف فى ذلك المكان محبوسة فمض الشتاء وأقبل الصيف وكانت تجلس فى وقت الحرارة بين الصخور والأشجار الصامتة ولم تكن تسمع الا مناجاة الطيور على تلك الأشجار . وفى ليالى الربيع كان القمر يظهر من الفلك ويضىء بشعاعه على تلك الوهدة المنفردة . وفى الشتاء كانت تحول بصرها نحو تلك الاراضى المتسعة التى لم تكن ترى عليها ألا أثر أكف الحيوانات البرية . أشتاقت جنفياف الى رؤية والديها وزوجها وكانت تتنهد مرارا عديدة قائلة : ما أسعد الناس القادرين على الاجتماع والمعاشرة اذ أنهم يتحدثون ويتسلون فى الشدة والرخاء . غير أنها كانت تتعزى اذ تجيب نفسها قائلة : اللهم ان مناجاتك والاختلاء معك يفوقان عذوبة معاشرة الناس ، ومتى بعدنا عن المعمورة تكون انت قريبا منا فى هذة البرية المقفرة وخصوصا فى هدوء الليل . فيالها من سعادة عظمى حيث نقدر أن نناجيك فى كل آن يا محبا مخلصا لنفوسنا . وبذلك لاحت لها الساعات تمضى كاللحظات.
    وان كانت على الدوام تشغل نفسها فى البحث عن أقتلاع الحشائش وقطف الأثمار البرية الا أنه كثيرا ما يكون ليومها فراغ تلبث فيه بدون عمل وكانت تقول ليت لى أبرا وقطنا أو صوفا فأصرف هذة الساعات الطويلة فى شغل مفيد فأكتسى أنا وولدى . يستاء بعض الناس من كثرة التعب فى أعمالهم ولكت الحياة بدون شغل محزنة وعديمة المنفعة . ان الشغل المتعب عذب بالنسبة للبطالة المملة ، وكانت أحيانا تتأسف لعدم حصولها على كتب نافعة مسلية وتقول ما أحسن القراءة وأفيدها لى ، ومع ذلك يا ألهى فأن أعمالك المحيطة بى هى كتاب نافع جدا لأنك أنت نفسك مبدع هذا الكتاب . وابتدأت من ذلك الوقت تتأمل الأمعان فى عجائب الطبيعة فكانت الزهرة الصغيرة والدودة الحقيرة فى الأرض تعطيها سرورا . وبهذة الواسطة تعلمت الحكمة العلوية وأدركت الرأفة الألهية .
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:24 am

    وما كان يزيدها سرورا معرفتها أن الرب يسوع المسيح كان يستعمل التشبيهات فى أمثاله الجليلية . ولذا فقد أتخذت ما تراه حولها مداعاة لشكر الله وتمجيده . فعندما كانت الشمس ترسل أشعتها الى الغار فى أيام الربيع كانت تصرخ بابتهاج قائلة : يا اله الجود أن شمسك هى صورة رأفتك الأبوية الكتيرة الجمال أنت يا من تشرق شمسك على الاخيار والأشرار.
    وكانت اذا سمعت تغريد الطيور وتصرخ قائلة أيتها المخلوقات الصغيرة البديعة أنك لمسرورة دائما.
    فلم لا أسر أنا أيضا وأترنم مثلك أن يسوع يريد ذلك وقد قال لنا أنظروا الى طيور السماء أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن . وأبوكم السماوى يقوتها . ألستم أنتم بالحرى أفضل منها . أنا لا أشك يا ألهى فى أنك تحبنى أكثر من جميع هذة الطيور ولذلك فأنى أسى كثيرا أولا أضطرب حتى ولو لم تزرع وتحصد لى يد بشرية .
    ولما كانت تتفرس فى هذة الزهور المتنوعة التى حول مأواها كانت تقول : وأنت أيتها الزهور الزاهية تشهدين لى فى الرجاء بالله لأن سيدى يسوع كان يضرب أمثالا بزهور مثلك قائلا : تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو ولا تتعب ولكن أقول لكم ولا سليمان فى كل مجده كان يلبس كواحدة منها . فأن كان عشب الحقل الذى يوجد اليوم ويطرح غدا فى التنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحرى جدا يلبسكم أنتم يا قليلى الايمان . فلهذا يا سيدى لا أريد أن أكون ضعيفة فى أيمانى .
    وان كنت فى هذا الوقت لا أقدر أن أغزل ولا أن أخيط فانى لا أهتم ماذا آكل أو أشرب أو ماذا ألبس .
    ولما يحل فصل الصيف ويشتد الحر فى المكان الذى كانت تذهب اليه لتروى ظمأها من ينبوعه كانت تناجى نفسها قائلة . يارب أن كلمتك الألهية لنفسى كهذا الماء البارد فى شفتى الجافتين . والذى يعطش ويأتى اليها يرتوى منها ماء حيا. فان اتصالى بك يغمرنى بالتعزيات الوفيرة ويسقينى ماء الافراح المقدسة.

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:26 am

    ولما كانت تتأمل الصخور العظيمة المحيطة بتلك البقعة المنفردة التى بقيت طويلا وصمدت لتطورات الطبيعة كانت تتذكر كلام يسوع القائل : ان الذى يسمع أقوالى ويعمل بها يشبه رجلا عاقلا بنى بيته على الصخر. ثم تقول على هذا الكلام أبنى خلاصى يا ألهى .
    وكانت الأشواك والحسك تقدم لها أيضا تعاليم نافعة فتقول لو كانت هذة تنبت عنبا وثمارا أخرى لذيذة لكان ذلك خيرا لى لكن المخلص قال لا يجتنى من الشوك عنب ولا من الحسك تين فان الشجرة الجيدة تخرج أثمارا جيدة والشجرة الرديئة لا تخرج ألا اثمارا رديئة فانى أجتهد أن أشابه الشجرة الجيدة وأن أصنع خيرا على قدر استطاعتى . وهكذا كانت الشمس والطيور تذكرها بيسوع المسيح وتقدم لها موضوعا للتعزية والرجاء.
    غير أن شمس الربيع وكل ما فى البرية لم يكن يلذها ويشغفها نظير منظر ولدها وتربيته ، وكانت تطلق الغزالة لترعى وتخرج من الغار حاملة الولد على ذراعيها وتكلمه بكل حنو . ولكنه لم يكن يفهم منها شيئا بل يبسط اليها ذراعيه مبتسما كأنه يجيب على كلامها فكان هذا التبسم العذب يلذ لها فتضمه الى صدرها وتنظر اليه بلهفة قائلة : يا ألهى لست قادرة أن أشكرك كما ينبغى لابقائك لى هذا الولد العزيز . فكم من السرور والتعزية يجلبها لى فى هذا المقر . يا ألهى السماوى تنازل وبارك ولدى هذا واجعله ينمو وينجح . ما أبهى عينيه اللطيفتين . ما أجمل جبينه الصغير المغطى بالغدائر الذهبية ما أشد صفاء خديه الورديين . انه عندما يرقد بين أحضانى يملأنى سعادة لا حد لها . حبذا قول المخلص . ان لم تصيروا كالأولاد الصغار فلا تقدرون أن تدخلوا ملكوت السموات . ليت جميع الناس يكونون مجردين من الكبرياء والحسد والبغض وسائر الأميال الرديئة كهذا الولد فى طهارته وبساطته. وعندئذ يكون نعيمنا داخل قلوبنا ونعيش فى هذة الدنيا سعداء بين الناس كما يعيش ولدى هذا فى حضنى.
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:27 am

    وكثيرا ما كانت تتوق لأن تذهب الى الكنيسة فتقول : يالعظم سعادتى لو كانت مجتمعة مع ألوف المؤمنين الساجدين لاستماع كلام الله وترتيل الأتقياء الذى يرتفع نحوه تعالى أواه ليت لى نصيبا أن أسمع صوت ناقوسا فكنت أتعزى نوعا ومع ذلك كانت تجيب نفسها بطمأنينة : أن الطبيعة بكمالها والسماء بجلالها والارض بجمالها هى هيكل لك يا الهى ، وان القلب الذى يحبك ويتوق اليك بحرارة هو مذبح لك : فليكن اذن هذا الوادى الوعر هيكلا وليكن قلبى فيه مذبحا.
    وكان الولد فى تلك الوحدة يزداد لطفا وجمالا كازدياد ونمو محاسن ازهار الحقل اللطيف . وكم كان سرورها عظيما عندما كانت تراه يركض أمامها من هنا ومن هناك، وحدث ذات يوم أن خرجت تتمشى فى أرجاء الغابة تبحث عن أثمار تقتات بها وتدرجت فى السير حتى وصلت الى قمة تل صعدت اليها . وأخذت تتأمل الطبيعة وتمجد مبدعها الحكيم . وفيما هى غارقة فى تأملاتها أبصرت من بعد ذئبا يقترب منها ويحمل بين أنيابه عنزا . فوجمت وحارت ماذا تعمل لتنجو من هذا الوحش المفترس المقبل اليها وتطلعت ذات اليمين وذات الشمال فرأت على مقربة منها شجرة ضخمة هرعت أليها وتوارت وراء جذعها وهى ترتعد خوفا وحاولت الصراخ فلم تستطع . ولكن الى من تصرخ ؟ فرفعت عينيها نحو السماء وصرخت الى العلى القدير قائلة : يا الهى نجنى من هذا الوحش الضارى . احفظنى لولدى . فليس له سواى . وكلانا فى حمايتك فى هذة البرية الموحشة . وعثرت قدم الذئب وكان على حافة قمة التل فأفلت العنز من فمه وهوى الذئب الى أسفل ولما دنت جنفياف من العنز وجدته ميتا : فحملته الى الغار وحارت كيف تسلخ جلده ، فبحثت فى الوادى حتى وجدت صدفة ذات حافة حادة ففرحت وعالجت بها سلخ العنز ثم جففت جلده فى الشمس ، واذ كان ولدها الى هذة اللحظة شبه عار لا يستر جسمه ألا أوراق الأشجار ، وكلما كانت تجف وتبلى كانت تستبدلها أمه بغيرها ، ففرحت جنفياف وشكرت الله لأنه أرسل العنز لتجعل من جلده ثوبا لولدها وأخذت من صوف الغزالة وغزلته خيطا طويلا ، ولم تجد أبرة فتناولت شوكة وجعلتها كأبرة وخاطت جلد العنز وألبسته لولدها ، وما كان يقتات ألا بالأعشاب البرية والحليب والماء ومع ذلك كان ممتلئا صحة وكانت قواه العقلية والحسية تتكامل رويدا وتأخذ مفعولها الطبيعى ، وأخذ يميز الأشياء التى حوله ويفهم الأقوال ويكررها.

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:28 am

    وكانت جنفياف منذ زمن طويل لم تسمع صوتا بشريا ، فلما ابتدأ ولدها يلفظ بعض كلمات صريحة سرت سرورا عظيما خصوصا حينما كان يكرر اسم ماما اللطيف ، وكان ذلك فى ابتداء فصل الشتاء فصارت من ذلك الوقت تقضى ساعات كاملة فى التكلم معه وعلمته اسم ما كانت تراه من الأشياء فى الغار وفى الوادى الصغير ، من الشمس الى الحصاة الصغيرة حتى استطاع الولد أن يتحدث معها عن الأشياء المذكورة على قدر أدراك عقله وفهمه الصغير فسرت لذلك سرورا لا يوصف ، وكانت مسرتها تتضاعف فى كل يوم ، وهكذا صرفت أيام ذلك الشتاء البارد قريرة العين ، ولم يقو دولور على احتمال برد الشتاء فتأثر جسمه الغض حيث لبث زمنا لا يستطيع الخروج من الغار حتى أتى الربيع فأخذ يتماثل الى الصحة وينمو ويتعافى ، وفى صباح أحد الأيام الصافية أخذته أمه الى البقعة الصغيرة المزينة بالزهور ولما شاهد بهجة الربيع ورونقه للمرة الأولى تأثر جدا لدرجة أن وقف مندهشا وألقى بصره متأملا فيما حوله وصرخ الى أمه قائلا : ما هذا؟ كيف أن كل شىء قد تغير واستحال الى جمال بديع ، فهذا الوادى كان مبيضا كالثلج أصبح فسيحا نضرا مخضرا وكانت أغصان الأشجار عارية مجردة من الأوراق فأصبحت مغطاة بأوراق صغيرة غضة ، وكيف أن الشمس تتلألأ وتدفينى ، والسماء زرقاء جميلة ، أنظرى يا أماه كم يوجد ألوف من الأشياء الجميلة العجيبة على هذة الأرض.
    فأجابته جنفياف : هذة الأشياء الصغيرة تدعى زهورا يا ولدى العزيز ثم قطفت قليلا منها وقالت له وقد أشارت الى واحدة منها : هذة تدعى زهور اللولو . أنظر ما فى وسطها من الأصفرار الجميل ، وجمال أطرافها الأرجوانية ، ذات الأوراق الصغيرة البيضاء المحيطة بها . وهناك زهور أخرى من جملة أزهار الربيع فاستنشقها ، هذة الزهرة الصغيرة التى تراها يقال لها بنفسج ، وهى ذات رائحة لطيفة ويمكنك أن تقطف منها ما يسرك ، فقطف منها الولد باقة كبيرة حتى أنه لم يكد يضبطها بيديه الصغيرتين ثم أخذته جنفياف الى حرش أخضر عند طرف تلك البقعة الصغيرة وقالت : أصغ يا ولدى العزيز ! أما تسمع شيئا فأصغى الولد بأذنه فسمع تغريد الطيور بأصواتها الجميلة التى تأخذ بمجامح القلوب فانشرح صدره وسرت نفسه ثم سأل أمه ما هذة الأصوات البديعة . فأجابته أنها الطيور تسبح خالق الكون بنغماتها الشجية . وكانت هذة أول مرة سمع فيها أصوات الطيور المتنوعة التى تجتمع فى ذلك المكان المنفرد . وتنتقل على الأغصان وتحت العوسج فقال لأمه : فلنذهب لنرى ما هذا يا أماه

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:39 am

    جلست جنفياف على صخرة غطاها العشب الأخضر وظللتها أشجار الزان الصغيرة ثم أجلست الولد على ركبتيها وطرحت أمامها كمية من حب الأغصان البرية فتساقطت عليها طيور كثيرة جميلة متنوعة الأجناس وجعلت تلتقط منها بسرعة . فقالت له أمه هذة هى الطيور التى تغرد فتأخذ بمجامع القلوب.
    فانذهل الولد فرحا وقال: هذة أنت أيتها الموجودات الصغيرة التى تغردين. حقا أنت تعرفين أن تغردى أفضل من الغربان التى تنعق فى مدة الشتاء بقبح صوتها المحزن . وأنت أجمل منها كثيرا ولكن ما هى أسباب جمال هذا الوقت وبهجته يا أماه ؟ ومن أين تصدر هذة الأشياء الجميلة ؟ فلست أنت التى استطعت أن توجدى هذا الجمال المبهج فى هذة البقعة حيث كنت مريضا ولم تفارقينى كما لا أظنك تقدرين على ذلك ...
    فأجابت الأم . يا ولدى العزيز أنا حدثتك قبلا عن أبينا السماوى . الله الذى خلق الشمس والقمر والنجوم فهو الذى صنع كل هذة حتى نسر بها . فقال الصبى : يا له من اله محبوب حكيم رؤوف ، فتبسمت جنفياف من هذة الكلمات وكانت تضمه الى صدرها وتحنو عليه .
    وفى اليوم الثانى أيقظها دولور فى الصباح الباكر وقال لها : يا أماه أرجوك أن تقومى فنذهب لننظر ما صنعه الله جديدا فتبسمت له جنفياف بحنو وأخذته الى المكان الأخضر بين الصخور حيث يزهو فيه النبات مبكرا ، ونظرا لأن الشمس كانت فى أشد حرارتها ، وكانت قد رأت فيه أشجارا من التوت الأحمر مزهرة وبها أزهارا ناضجة حمراء كالقرمز فسألها الولد هل هذة أيضا زهور ؟ فأجابته جنفياف كلا هذة هى أثمار التوت الأحمر وقطفت له ثمرة من أحسانها وقالت له أفتح فمك وذقها فأكلها الولد وأعجب بطعمها وقال لها . آه كم هو لذيذ يا أماه . هل أقدر أن أقطف ثمرة ثانية ، فقالت له أمه نعم .
    حينئذ مد الولد يديه وابتدأ يقطف ويأكل وقال ما أعظم رأفة الله بنا فانه يعطينا أشياء حسنة جدا .[/]

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:40 am

    فسألته جنفياف أما تظن أنه يجب عليك أن تشكر الله لأجل ذلك فرفع بصره المتلألىء نحو السماء الجميلة ولثم يده الصغيرة وارسل قبلة نحو السماء وصرخ بكل قوة قائلا : أحمدك يارب على هذة الأثمار اللذيذة التى أعطيتنى أياها ، ثم قال لأمه ولكن هل سمعنى الله؟ فأجابته وقد ضمته الى صدرها وتبسمت نعم فإن الله ينظر ويسمع ويعلم كل شىء يا ولدى .
    ومن ذلك الوقت كان دولور يكرر التأمل كل يوم فى صنائع الله فقالت له والدته : يجب أن تبحث بمزيد الاعتناء ثم تخبرنى عن الأشياء التى تكتشفها حديثا ، أنظر فأنه يوجد عند ظل تلك الشجرة الكبيرة التى فى الجانب الشمالى حيث لم ينزل الثلج ألا منذ أيام قليلة غروس ذات أشواك سوداء يقال لها شجرة الزعرور . حول بصرك الى الجبهة العليا فترى شجرتين كبيرتين بريتين . تأمل جيدا ما يطرأ عليها من التغيير ثم أخبرنى عنها .
    وفى الليلة التالية سقط مطر بارد أنمى الأوراق والأزهار فبادر الولد وهو ممتلىء من الفرح الى أمه قائلا : ماما أن الكروات الصغيرة الخضراء التى على أشجار الخوخ كلها زهورا جميلة بيضاء كالثلج وامتلاءت الأغصان ذات الأشواك بالأوراق الصغيرة الخضراء وبالزهور البيضاء والحمراء . يا له من منظر بديع . فما أعظم رأفة الله تعالى . هلمى اذا يا أماه وأنظرى . ولما ذهبت معه جنفياف قال لها أظن أن هذا الزعرور يزهر أيضا زهورا جميلة . أما ترين أن الأحمرار يلوح قليلا على خارج الازهار الصغيرة مما يدل على أن الله لم يكفه الوقت لاتمام كل الأعمال فى هذة الليلة.
    اجابته جنفياف : يا ولدى العزيز ان هذة الأشياء جميعها لم تكلف الله شيئا من التعب وكان يمكنه أتمامها فى لحظة واحدة لأنه قادر على كل شىء . فسألها دولور وكيف قدر الله أن يصنع ذلك فى الظلمة قبل بزوغ نور الشمس فأجابته جنفياف ان الله يرى كل شىء فى الليل كما فى النهار فتعجب دولور لذلك
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:41 am

    وفى صباح أحد الأيام سعى دولور وهو ممتلىء من الفرح الى أمه وصرخ قائلا ماما لقد وجدت الآن بعض أشياء جميلة فى الغابة ثم أراها أياها قائلا لها أما ترين شيئا فى وسطها؟
    أجابت جنفياف : هذا عش الطيور وكما أن لنا غارا هكذا لهذة العصافير أعشاش تأوى اليها . أنظر ها العصفور يتطلع الينا من داخل بكل طمأنينة ... وها هو الآن يطير فتأمل وكره كيف هو مفروش بالأعشاب الخضراء ..فصرخ قائلا آه ما ألطف هذا المنظر ولكن ما هى هذة الخمس كرات الصغيرة الصافية التى أنظرها فى العش ؟ قالت له أنها بيضات . قال وماذا يصنع الطير فى هذة البيضات ؟ قالت سترى نتيجة ذلك فيما بعد ويكفيك أن تنظر اليها كل يوم بدون أن تلمسها. وبعد أيام كان دولور مرافقا لأمه فذهب ليرى العش المذكور فوجد مكان البيضات عصافير صغيرة . فقالت له أنظر هذة العصافير كيف هى صغيرة ولا تبصر وليس لها ريش ولا يمكنها أن تطير أو تخرج من عشها. فصرخ الولد قائلا يالها من مخلوقات بديعة ولكنها ستهلك يا أماه جوعا لعدم أمكانها الخروج من العش . فأجابته . كلا يا ولدى العزيز فان الله يعتنى بها . ان داخل الوكر مفروش ببطانة لينة ومكسو قشا ناعما ترقد عليه بكل راحة . والذى أقام هذا الوكر العجيب هو الطير الكبير نفسه. أليس هو مصنوعا جيدا ولا يمكننا نحن أن نصنع نظيره؟ فقد علم الله سبحانه وتعالى العصافير الكبيرة كيف تبنى هذة الاوكار لحفظ أولادها الصغيرة المسكينة . ان الشجرة الموجودة بين أغصانها هذا الوكر تظلله من حرارة الشمس وتقيه من الأمطار . وعندما تهب الرياح تأتى أم العصافير بسرعة وتبسط عليها أجنحتها لتغطيها وتحميها من البرد . ثم أنظر يا ابنى فان الشوك الذى وضعته الأم وأقامته سياجا حول العش يمنع الغراب المفترس من أكل العصافير المسكينة لأن وجود هذا الشوك يؤلمه اذا أراد الدخول ، ولكن الأم تمر بسهولة بين الشوك دون أن تتألم . ومن هذا يا ولدى العزيز تتحقق أن كل الأشياء تبرهن لنا جليا على كرم الله واهتمامه بنا

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:42 am

    وبينما هى تتكلم عن ذلك أقبلت أم تلك الأفراخ ودخلت الوكر ولبثت بجانب الأفراخ ترفع رؤوسها وهى تناغى وتفتح مناقيرها والأم تعطيها الأكل ، وعند هذا المنظر استولى على الولد مزيد السرور والابتهاج قائلا : ما أجمل هذا وأبهجه . ثم قالت جنفياف : ان العصافير الصغيرة لا تذهب للتفتيش عن عن قوتها لأن أمها تحضره لها . واذا كانت الحبوب صلبة فالأم تطحنها بأسنانها وتلينها قبل أن تعطيها للصغار . ومن ذلك ترى يا ابنى اهتمام الله بمخلوقاته حتى بأدنى العصافير وأنه يهتم بنا نحن كذلك ويواصل عنايته قال الولد : لا شك أن الله أعتنى بى وأعطانى أياك يا أمى العزيزة وأنا أحبك جدا . وأعلم أنك تحبينى أكثر من محبة هذا الطير لصغاره ، ولولاك لكنت هلكت من زمن طويل ثم أقبل على أمه يقبلها.
    وكان دولور يكتشف يوميا أشياء جديدة فيدعو أمه لتراها أو يحضرها لها ليسألها عنها وكان كل اهتمامها نحو وكان كل شىء من موجودات الطبيعة العجيبة يؤثر فى قلبه الصافى تأثيرا شديدا حتى اتسع عقله وأصبح يدرك بسهولة ما يراه حوله . وتعود أن يخرج صباح كل يوم ثم يعود الى أمه حاملا باقة زهور جميلة كما كان يملأ يوميا سلالا صغيرة قد جدلها من القش . وكان يزين الغار القاحل بالصدف والحصى اللامعة حتى صار للغار منظرا حسنا . وقد سرت أمه سرور عظيما اذ كانت ترى سرعة فهم ولدها فسكبت دموع الفرح وصلت قائلة : أيها الاله أن القلب البرىء يقدر أن يجد فردوسا حتى فى البرية القاحلة ، والنفس التى تحبك وتكون مالكا أنت عليها تنال سعادة سماوية وراحة تامة وسط الشدائد والآلام.
    وكانت هذة الأم الحكيمة تنصح ولدها بأن لا يأكل شيئا قبل أن يريها أياه ، وألا فانه يمرض مرضا شديدا . وكانت ترشده أيضا الى التمسك بالفضائل والبعد عن الرذائل التى هى أضر على النفس من الأغصان السامة ، وتقول له ان الخطية تشبه تلك الحبوب الحمراء الخادعة بمظهرها ولكن استعمالها مميت

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:42 am

    الفصل الرابع
    حلول الشتاء ومرض جنفياف

    مضى الربيع والصيف وأقبل الخريف وكانت الشمس تتأخر فى شروقها وتسرع فى مغيبها وقد قل بهاؤها وحرارتها وأخذ ضباب كثيف مظلم يحجب السماء الصافية وكفت الأرض عن أن تنبت شيئا وأمتنعت الطيور عن تغريدها وهجر أكثرها أوكاره وأخذت الزهور تذبل وتزول وأوراق الأشجار الصفراء تجف وتتساقط فتذروها الرياح العاصفة.
    وبينما كانت جنفياف جالسة على باب مغارتها تتأمل وهى حزينة ذلك الاضمحلال المتوالى وقلبها مملوء من الاضطرابات لقرب الشتاء قال لها دولور : ماما هل عدل الله عن محبته لنا وأزمع أن يقضى علينا فى هذة البرية حتى رفع عنا عطاياه.
    قالت : كلا يا ولدى ان محبة الله لا حد لها وهو يحبنا دائما . ان الأشياء الأرضية تتغير أما محبة الله فهى أبدية أن تغير الطبيعة دلالة على قرب الشتاء الذى يعقبه دائما فصل الربيع . وهو أبهى وأفضل الفصول وأكثرها زهورا ، وهكذا الحياة فان الأفراح تعقب الشدائد.
    وكانت جنفياف تخرج وقت الظهيرة فتقطف من التفاح والجوز والبندق ما تقتات به هى وولدها الى الغد . وكانت قد جمعت شيئا من الحشيش اليابس لأجل الغزالة . ولكن كان بهمها اللباس أكثر من القوت . وثوبها الوحيد الذى خرجت به من السجن ولبسته حوالى خمسة سنوات قد بلى ،فجلست على باب الغار تبكى وتضم ما تمزق منه الى بعضه بالشوك حتى أصبح الثوب خرقة بالية ممزقة ، تأبى أفقر امرأة فى الحياة أن ترتديه ، وقد زاد حزنها عندما تذكرت النعيم الذى كانت ترفل به فى قصر والديها وزوجها ثم حرمت منه الآن.
    لاحظ دولور حزن أمه الشديد وبكاءها المستمر فقال لها : أما تذكرين يا أماه ما كنت تقولينه لى حين سألتك يوما عن غزالتنا لماذا يتساقط شعرها فقلت لى : انه فى كل صيف يعطيها الله ثوبا جديدا يدفئها. فتشجعى اذا فان الله تعالى يعطيك ثوبا جديدا اذ لا شك انك عنده أعز من الغزالة . فابتسمت جنفياف وقالت حقا يا ولدى العزيز أنى أثق بأن الله يفتقدنا ويهتم بنا ، وان الذى يكسو الحيوانات والزهور يستطيع أن يكسونا نحن أيضا.
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:43 am

    وبعد أيام قليلة أوصت أبنها أن لا يبرح الغار ، وذهبت بعيدا كعادتها تجمع الأثمار الصالحة للأكل ، وعندما وصلت الى قمة تل عالى جلست لتستريح وتشرب قليلا من الحليب لتبرد غليلها فرأت ذئبا مخيفا يقترب منها ويحمل بين أنيابه نعجة ، واذ أبصر جنفياف وقف يتفرس فيها وعيناه تقدحان نارا فارتعدت كل مفاصلها غير أنها قامت بسرعة وأخذت جذع شجرة كان قريبا منها . وكأن الله قد منحها قوة فائقة فضربت ضربة شديدة على رأسه فترك النعجة وسقط يتدحرج الى أسفل التل حتى هوى ميتا فاقتربت جنفياف من النعجة وسكبت قليلا من الحليب فى فمها لترى هل هى حية ولكنها وجدتها قد ماتت.
    حرك منظر ذلك الحيوان المسكين قلب جنفياف فأخذت تناجيه قائلة : واأسفاه عليك أيتها النعجة المسكينة هل كنت فى تلك البقاع الطيبة حيث ولدت أنا ، لقد مضى زمن طويل لم أسمع شيئا عن ذلك الوطن العزيز لو كنت فى تلك البلاد الآن كم كان مقدار ما يشملنى من الفرح عندما أطعمك واعتنى بك . وكم يسر ولدى لو حصل عليك. ربما أنت من ماشية زوجى الكثيرة . وما كاد يقع نظرها على ساق النعجة حتى صرخت قائلة : ما هذا أنما أنت من قطيعنا ! ها هى علامة غنمنا على ساقك . آه لو كنت حية وتستطيعين الكلام فأسألك هل زوجى حى يرزق وماذا يعمل الآن ؟ وهل رجع من الحرب منتصرا؟ وهل يفتكر فى امرأته وهل لا يزال يعتقد أنى مذنبة أو أن تحقق من براءتى ؟ وا أسفاه . انه الآن يعيش فى قصره متنعما بينما أنا وولده نعيش فى هذة البرية فى أشد حالة البؤس والشقاء . وجال فى خاطرها أنها فى مكان لا يبعد عن موطنها الا قليلا ولولا ذلك لما استطاع الذئب أن يأتى بالنعجة الى هذا المكان ثم أخذت تحدث نفسها قائلة : ترى هل من الصالح الرجوع الى زوجى مع ولدى الآن لأخبره ببراءتى ؟ وأخذ قلبها يضطرب ودموعها تسيل ثم فكرت قليلا وقالت فى نفسها : سأبقى هنا مادمت مرتبطة بيمين أقسمته للجلادين ولا أحنث بيمينى لئلا يكون فى ذلك هلاك الرجلين اللذين أبقيانى فى الحياة سأبقى هنا حتى يريد الله تعالى اخراجى من هذا القفر بالطريقة التى يراها هو صالحة لى ولأولئك الذين عفوا عن قتلى

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:44 am

    ولما لم يكن لديها سكين تسلخ بها جلد النعجة بحثت كثيرا فى التل حتى عثرت على صدفة كبيرة فسلخت بها الجلد ثم غسلته من الدم والغبار وعرضته لأشعة الشمس ولما جف لبسته وعادت الى الغار وكان المساء قد أقبل فلما رآها دولور عن بعد بادر الى لقائها فرحا وهو يصرخ : ماما ها قد رجعت . لقد أنشغل فكرى من نحوك . أين كنت طول هذا النهار . واذ كان الوقت ليلا ورآها مقبلة عليه وهى ملتفة بثوب الجلد لم يعرفها وظنها وحشا قادما عليه ليفترسه فتراجع الى الوراء مذعورا غير أنه سمع صوتها العذب يقول له : لا تخف يا ولدى العزيز . أنا أمك : فلما تبين وجهها قال . فليكن اسم الله مباركا . أهذا أنت أمى . يالعظم سرورى. تلبسين مثل ملبوسى فمن أين لك هذا؟ قالت أن الله الذى لا ينسانا أرسله لى يا ابنى . قال يا أمى العزيزة أما قلت لك دائما أن الله يعطيك كساء جديدا يدفئك فى الشتاء . ثم لمس الجلد وقال ما أسمكه وأنعمه وما أنصع لونه الذى يذكرنى بلون السماء الأبيض الذى كنا نراه فى الربيع . لا شك أن هذة هبة سماوية يا أماه : ثم دخل كلاهما الغار واحضر دولور اناء كبيرا مملوءا حليبا وسلة صغيرة مملوءة اثمارا وجلسا يأكلان فقصت جنفياف كيفية حصولها على الجلد وقد اضطرهما المطر الى الاستكانة داخل الغار ولم يستطيعا مبارحته الا فى بعض الأحيان حينما كان يمتنع المطر ويكون الجو صحوا فيخرجان ويتنزهان أحيانا فى الوادى . وفى بعض الأيام بينما هما يتنزهان قالت جنفياف لابنها: انظر يا ولدى كيف يمكننا أن نتأمل عظمة الله وعنايته الأبوية فى كل مكان وزمان حتى نفس الشتاء تأمل هذا النور المتلالىء البديع فى هذة البقعة الكبيرة الثلوج ، ومتى أشرقت الشمس عليه تراه وقد زينته أشعة حمراء وخضراء وزرقاء ثم متى تعرت هذة الأشجار من أوراقها أبقى الله أوراق شجرة الراتينج لكى تلتجىء اليها الحيوانات . وشوك الوعر الناشف يثمر أيضا فى الشتاء حبا أزرقا طريا فيكون قوتا لطيور الغابة الصغيرة ولا يجف ينبوع ماءنا أبدا فيمكننا ارواء عطشنا منه ، كما ترى أيضا الأعشاب المثمرة تنبت بقربها دائما فتقتات منها الطيور الصغار . فما أعظم أهتمامه تعالى بمخلوقاته وما أكثر أنعامه ورأفته

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:45 am

    ولما لم يكن لديها سكين تسلخ بها جلد النعجة بحثت كثيرا فى التل حتى عثرت على صدفة كبيرة فسلخت بها الجلد ثم غسلته من الدم والغبار وعرضته لأشعة الشمس ولما جف لبسته وعادت الى الغار وكان المساء قد أقبل فلما رآها دولور عن بعد بادر الى لقائها فرحا وهو يصرخ : ماما ها قد رجعت . لقد أنشغل فكرى من نحوك . أين كنت طول هذا النهار . واذ كان الوقت ليلا ورآها مقبلة عليه وهى ملتفة بثوب الجلد لم يعرفها وظنها وحشا قادما عليه ليفترسه فتراجع الى الوراء مذعورا غير أنه سمع صوتها العذب يقول له : لا تخف يا ولدى العزيز . أنا أمك : فلما تبين وجهها قال . فليكن اسم الله مباركا . أهذا أنت أمى . يالعظم سرورى. تلبسين مثل ملبوسى فمن أين لك هذا؟ قالت أن الله الذى لا ينسانا أرسله لى يا ابنى . قال يا أمى العزيزة أما قلت لك دائما أن الله يعطيك كساء جديدا يدفئك فى الشتاء . ثم لمس الجلد وقال ما أسمكه وأنعمه وما أنصع لونه الذى يذكرنى بلون السماء الأبيض الذى كنا نراه فى الربيع . لا شك أن هذة هبة سماوية يا أماه : ثم دخل كلاهما الغار واحضر دولور اناء كبيرا مملوءا حليبا وسلة صغيرة مملوءة اثمارا وجلسا يأكلان فقصت جنفياف كيفية حصولها على الجلد وقد اضطرهما المطر الى الاستكانة داخل الغار ولم يستطيعا مبارحته الا فى بعض الأحيان حينما كان يمتنع المطر ويكون الجو صحوا فيخرجان ويتنزهان أحيانا فى الوادى . وفى بعض الأيام بينما هما يتنزهان قالت جنفياف لابنها: انظر يا ولدى كيف يمكننا أن نتأمل عظمة الله وعنايته الأبوية فى كل مكان وزمان حتى نفس الشتاء تأمل هذا النور المتلالىء البديع فى هذة البقعة الكبيرة الثلوج ، ومتى أشرقت الشمس عليه تراه وقد زينته أشعة حمراء وخضراء وزرقاء ثم متى تعرت هذة الأشجار من أوراقها أبقى الله أوراق شجرة الراتينج لكى تلتجىء اليها الحيوانات . وشوك الوعر الناشف يثمر أيضا فى الشتاء حبا أزرقا طريا فيكون قوتا لطيور الغابة الصغيرة ولا يجف ينبوع ماءنا أبدا فيمكننا ارواء عطشنا منه ، كما ترى أيضا الأعشاب المثمرة تنبت بقربها دائما فتقتات منها الطيور الصغار . فما أعظم أهتمامه تعالى بمخلوقاته وما أكثر أنعامه ورأفته.
    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:45 am

    اعتاد دولور متى رقد أن ينام الليل كله وكانت جنفياف وهى جالسة فى مأواها بدون رقاد تقول . لو كان عندى سراج صغير وكتاب أو مغزل كنت أتسلى . آه أن أدنى جوارى الآن أسعد منى لانهن يصرفن ليالى الشتاء الطويلة فى المحادثات والمسامرات فتمر عليهن الليالى كلحظة ولكنها كانت تتغلب على هذة افكار المكدرة حالا ، وتوجه قلبها نحو الله وتقول يالعظم سعادة الانسان اذا كان يعرف الله ومتصلا به ، فلولاك يا ألهى ما حصلت على هذا الولد الذى يعزينى وينسينى بعض آلامى ولولاك يا مولاى لحرمت الحياة منذ زمن طويل . فانت وحدك أيها الأب السماوى مصدر تعزيتنا مدى الحياة .
    وكان الشتاء السابع من أقامة جنفياف وولدها فى تلك البرية شديدا جدا على غير المألوف . اذ سقط ثلج كثير غطى الجبال والأودية حتى كسر أغصان أقوى الشجر .وكانت جنفياف تدفن نفسها فى فراشها السميك المصنوع من العشب الأخضر ، وكان الثلج يكسو حيطان الغار وقد تسربت المياه الى داخله فبللت العشب الذى كانت تنام عليه ، وكانت الثعالب خارجا تعوى من البرد . وصراخ الذئاب يدوى فى الفضاء فتمتلىء منه جوانب الغار . وهكذا قضت جنفياف ليالى كاملة دون أن يغمض لها جفن بسبب البرد الشديد وخوفا من أن تفترسها وولدها الوحوش الكاسرة . ومع شدة هذا البرد فان دولور كان فى غاية الصحة . ولكن جنفياف الأميرة المترفهة التى نشأت فى القصور الفخمة وكانت تلبس أحسن الثياب لم تستطع احتمال تلك الرطوبة القاسية فصرخت ودموعها تتساقط من عينيها قائلة : من يعطينى شرارة من النار لتدفىء جسمى المرتعش . يخال الى انى سأهلك وسط هذا الغار من شدة البرد ومع ذلك فلتكن مشيئتك يا الله .فانا أخضع لقضائك وكان وجهها قد تغير وزال احمرار خديها اللطيف . وأصفرت كأنها ميتة وغارت عيناها الجميلتان وفقدتا بهاءهما وضعف بصرها لهزالها فارتمت على العشب فى حالة سيئة .

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:46 am

    فلما رأى دولور ذلك هاله منظرها فصرخ وقد تملكته الاحزان ومزقت قلبه الاكدار قائلا مالى أراك يا أماه فى حالة غريبة . ربى ما هذا؟ قالت جنفياف أنا مريضة يا ولدى العزيز ويخيل الى أننى مشرفة على الموت. فصرخ الولد قائلا تموتين ! ما معنى الموت يا أماه فانى لم اسمعك قبل الآن تتكلمين عنه.
    فأجابت جنفياف بصوت ضعيف : سأنام ولا أصحو بعد وحينئذ لا تعود عيناى تنظرانك ولا أذناى تسمعانك ويلبث جسدى مطروحا على الأرض حتى يصير يابسا ثم يتعفن لحمى ويتحول الى التراب الذى جبلنا الله منه.
    فألقى الولد على عنق أمه باكيا مرددا هذة الكلمات ماما ! ماما لا تموتى . أرجو أن لا تموتى وتتركينى وحدى فى هذة البرية .
    فأجابت جنفياف : لا تبكى يا ولدى العزيز فأمر موتى أو عدمه فى يد الله وحده . وأنا لا أريد مفارقتك لحظة واحدة ، فصرخ الولد قائلا : لكنك كنت تقولين لى دائما أن الله رؤوف رحيم فكيف يسبب لك وجعا ، ولى ألما .
    فأجابته جنفياف : لما كان الله حيا الى أبد أراد أن يعطينا حياة أبدية . ألا تذكر يا ولدى العزيز خلع ثيابى القديمة وطرحها حيث لا نفع منها فاعطانى الله ثوبا أحسن . هكذا سأخلع واطرح أيضا هذا الجسد المائت فيرجع الى التراب وأما أنا فاذهب وأرى أبانا السماوى الذى يعطينى عوضا عن هذا الجسد الحقير جسدا أجمل منه . كم أكون سعيدة فى السماء حيث لا برد ولا مرض ولا حزن ولا ألم ولا بكاء بل سعادة دائمة وسلام كامل كما أن الربيع أجمل من الشتاء كذلك السماء فانها أجمل وأفضل بكثير من الأرض .
    قال دولور : ماما أنا أريد أن أذهب معك ولا أستطيع أن أبقى هنا وحدى بين الوحوش الكاسرة .
    قالت : ولدى العزيز أنت تبقى على الأرض واذا كنت حكيما وتقيا تلحقنى فى السماء لأنك ستموت يوما ما . لكن اسمع الآن ما أقوله لك متى انقطعت عن التكلم معك وبطل تنفسى وانطفأت عيناى وتغير لون شفتى ويبست يداى أمكث معى هنا ثلاث أيام حتى تتحقق فى آخرها اننى مت ولما تتصاعد من جسدى رائحة كريهة تضعنى فى الحفرة القريبة منا وتغطى جسدى بالتراب وبعد ذلك تترك هذة البرية وتسير رأسا الى جهة الشمس فانك بعد مسير يومين أو ثلاثة تصل بلادا واسعة يسكنها ألوف من الناس

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:47 am

    فقال دولور متعجبا : ألوف من الناس ! كنت أظن أننا وحدنا مخلوقات هذة الدنيا البشرية فلاى سبب لم تخبرينى قبلا فكنت أذهب معك اليهم . قالت واأسفاه يا ولدى فان هؤلاء الناس هم الذين نفونا الى هذا القفر لنعيش بين الوحوش وكانوا يريدون أن يقتلونا أنت وأنا ولكن رحمة الله حننت قلوبهم فأبقونا أحياء . قال اذن أنا لا أريد أن أذهب اليهم أبدا ماداموا بهذا الحال وكنت أظن أنهم كلهم صالحون مثلك يا ماما . هل أولئك الناس يموتون أيضا؟.
    قالت نعم يا ولدى لا شك أن جميع الناس يموتون . قال كنت أظن أنهم يجهلون ذلك كما كنت أجهله أنا . أنى أريد أن أذهب اليهم وانذرهم ليتوبوا قبل ان يموتوا والا فليست السماء من نصيبهم . أفما يصدقوننى؟ قالت أنهم يعرفون ذلك ولكنهم لا يرعوون بل يعيشون متكاسلين فالأرض تعطيهم ألذ الأثمار والبحر يهيهم ألذ السمك وأشهى المأكل وثيابهم فاخرة ومنازلهم عالية متينة البنيان لا تقوى على زعزعتها العواصف ومزينة بأفخر الرياش ، ففى الشتاء تشرق عليها الشمس فلا يشعرون ببرد ، وفى الليل ينيرونها بالمصابيح فيتحول ليلهم الى نهار . ومع كل ما أعطاهم الله من خيرات ووهبهم من بركات فان الكثيرين منهم لا يفكرون فى تقديم الشكر لله بل يبغضون ويقتلون بعضهم البعض ، ومع انهم يشاهدون يوميا من يموت منهم الا أنهم لا يحزنون على سلوكهم الردىء ولا يقلعون عن أعمالهم الشريرة وكأنهم فى الأرض خالدون .
    قال : أذن أنا أرفض من كل قلبى الذهاب اليهم ، وأرى أن هؤلاء الناس ليسوا فقط أردأ من الذئاب ، بل بلداء مثل غزالتنا هذة التى لا تفهم شيئا من كل ما نقوله . وأنى أفضل البقاء مع الحيوانات البرية من أن أذهب اليهم لأن هذة الحيوانات عدا الذئب تعيش على الأقل فى سلام مع بعضها البعض .

    رأفت يوسف توفيق
    رأفت يوسف توفيق
    عضو متشارك
    عضو متشارك


    عدد المساهمات : 1097
    السٌّمعَة : 5
    تاريخ التسجيل : 26/09/2009
    العمر : 55
    الموقع : قلب الرب يسوع

    جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف ) Empty رد: جنفياف ( اميرة الطهر والعفاف )

    مُساهمة من طرف رأفت يوسف توفيق الجمعة أكتوبر 23, 2009 1:47 am

    قالت له انى أنصحك يا ولدى العزيز أن تذهب اليهم وهم لا يضرونك . واسمع أيضا ما أريد أن أقوله لك الآن . اننى الى هذا الوقت لم اتكلم معك ألا عن أبيك السماوى الذى هو فى السماء غير أنه لك هنا على الأرض أب أيضا كما أن لك أما عليها . فصرخ الولد مسرورا . أب على الأرض؟ وهل أستطيع أن أحدثه كما أحدثك؟ فقالت الأم : نعم يا ولدى العزيز ستنظره وتتكلم معه . قال سأنظره ! واتكلم معه ! ثم تلألأت عيناه من الفرح وصرخ قائلا : لكن لماذا يتركنا هنا وحدنا ولا يأتى لينظرنا . ألعله أيضا شرير كأولئك الناس الذين كنا نتحدث عنهم . قالت لا يا ولدى العزيز أن أباك صالح تقى ولا يعلم أبدا أننا ساكنون فى هذة البرية. ولا يعرف أننا لا نزال أحياء بل هو متأكد اننا قتلنا وقد حكم علينا بالموت نظرا لوشاية الناس الأشرار لديه الذين أعلموه كذبا أنى غير صالحة . فقال وما معنى الكذب يا أماه؟ قالت جنفياف ان الكذب معناه اختراع الناس أخبارا غير صادقة أو التظاهر بأنهم يحبون بعضهم وهم يكرهون . قال دولور ما كان يخطر لى ببال أن الناس متوحشون الى هذا الحد ! قالت جنفياف لقد خدعوا أباك حتى حكم علينا . ثم أخبرته بما يمكنه فهمه من قصتها .
    فقال لقد نظرت أشياء كثيرة جميلة من أبينا السماوى كالشمس والقمر والنجوم والزهور ولكن ما نظرت فى حياتى شيئا من أبى الذى على الأرض فقالت هوذا الخاتم الذهبى الذى أخذته من أبيك . ثم نزعته وسلمته أياه . فقال دولور ما أجمله ! هل عند ابى من هذة الأشياء الجميلة ! وهل يعطينى منها؟ فأجابته لا شك فى ذلك فان والدك غنى ثم ردت الخاتم الى أصبعها قائلة سأحتفظ بهذا الخاتم الى الموت كما حفظت لأبيك محبة وصداقة واخلاصا وأمانة الى النهاية . وعندما أموت انزع من أصبعى هذا الخاتم واذهب الى مدينة الناس واسأل عن الكونت سيجفرو لأنه أسم أبيك وألتمس ممن تصادفه أن يقودك اليه ولكن لا تقل لأحد من أنت ولا سبب مقابلتك للكونت وأحذر من أن ترى الخاتم لأحد مهما كان . ومتى وصلت الى أبيك فأعطه الخاتم وقل له : يا أبى أن أمى بعثت اليك بهذا الخاتم لتتأكد أننى أنا أبنك وهى قد ماتت فى البرية منذ أيام قلائل . وتهديك السلام وتؤكد انها بريئة . وقد ماتت بعد أن دعت لك وسامحتك وهى تأمل أن تنظرك فى السماء حيث لم تقدر أن تراك على الأرض ، وتوصيك أن تعيش فاضلا ولا تحزن عليها وأن تعتنى بى . ولا تنس يا ولدى العزيز أن تثبت لأبيك جيدا أننى بريئة وصادقة وأننى أوضحت لك ذلك فى ساعة موتى . عدنى بأن تشرح له ذلك بدقة وقل له أيضا اننى ما فتئت أحبه رغم الآلام والمتاعب التى لاقيتها ثم أخبره كيف عشت هنا وكيف انتهت أيامى والتمس منه أن يطلب جسدى لكى يدفنه فى مقبرة أجدادى فانى طاهرة وجديرة بأن انسب اليهم . واعلم أيضا أن لى أبا وأما كانا باقيين على قيد الحياة بعد مصيبتى هذة فالتمس من أبيك أن يأخذك وسيفرحان فرحا لا يوصف عندما تكتحل عيونهما بنظر حفيدهما ، ولعل وجودك بينهما ينسيهما آلام السنين السبع الطويلة التى مرت عليهما ونحن بعيدان عنهما . ثم قالت وهى تسكب الدموع المدرارة : ويلاه لا شك أن أبى الصالح قد حزن كثيرا على حظى . وكذلك أمى الرؤوفة سكبت دموعا غزيرة على أبنتها . أواه يا والدى العزيزين ما أعظم أشتياقى لرؤيتكما . انى واثقة أنكما لو علمتا اننى باقية على قيد الحياة لجئتما لخلاصى لكن واأسفاه فانتما تظنان الآن انى صرت فى عداد الموتى وان جسدى قد تحول منذ زمان الى تراب . فيالسعادتنا عندما نتلاقى فى السماء ونرى بعضنا . ثم نظرت الى ولدها وقالت له أنت الآن تبكى يا ولدى العزيز وتغتم على فقد أمك قريبا ولكن كن واثقا بأننا سنتقابل فى السماء والله تعالى سيجمعك بأبيك فكفكف اذن دموعك فان أباك يحبك ولا يمتنع عن أن يدعوك ولده العزيز كما أدعوك أنا الآن .
    ولم تستطع جنفياف أن تستمر فى هذا الكلام لأفراطها فى البكاء فانطرحت منهوكة القوى على فراشها الحشيشى واشتد ضعفها حتى أنها لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة .


      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 9:32 pm